الأعمى البصيرْ..



كان هناك رجلين هرمين يتشاركان غرفة في أحد المستشفيات، وكان كلاهما مصابٌ بمرضٍ عضال عصيٍ على الشفاء.
و بالرغم من أنهما في غرفة واحدة لا يفصلهما عن بعض سوى ستارة رقيقة ، لم يكن أيٌ منهما قادراً على رؤية الآخر ، والمرض هو من أجبرهما على ذلك ، فكلاهما مستلقٍ على سريره لا تفارقُ عيناهما سقف الغرفة. إلا أن الحظ كان حليفَ أحدهما فقد كان سريره مجاوراً للنافذة المطلةٍ على العالم الخارجي الذي كانا فيه يوماً ما.
وفي العصر من كل يوم كان الرجل المحظوظ يسردُ لصاحبه خلف الستارة بأسلوبٍ شيق مايراه وراء تلك النافذة، فيتلاشى بذلك ثقل المرض الملقى على كاهليهما. وفي مرةٍ كان الوقت فيها صباحاً، دخلت الممرضة المشرفة عليهما لتقوم بعملها المعتاد ( حيث توقظهما وتلبي لهما حاجتيهما من الإفطار ونحوه من تلك الأمور ). ففوجئت بالمريض الذي يحمل رقم (705 – الرجل المحظوظ) ميتاً في فراشه، فأسرعت تطلب المساعدة محدثة بذلك جلبةً استيقظ معها المريض الآخر في الغرفة.

اغتمّ ذلك المريض لموت صاحبه الذي ولّت برحيله الأيام الجميلة التي قضاها برفقته إلى غير رجعة، فقد أصبح في ليلةٍ وضحاها رجلاً وحيداً هرماً ومهموماً. و في مرة كان يؤانس هواجسه، خطر له أن ينقل سريره بجوار النافذة -حيث كان صاحبه- ليتسنى له رؤية تلك الأشياء الرائعة التي حدثه بها، فاستدعى ممرضته وطلب إليها أن تنقل سريره جوار النافذة. انصاعت لطلبه. وحالما أصبح أمام النافذة تحامل على نفسه ليتمكن من الرؤية، فأخذته الدهشة كل مأخذ، فما رآه لم يكن سوى جدرانٍ لساحة المستشفى الداخلية لا تنطق بأي معنىً للحياة. لم تستطع الممرضة إخفاء فضولها، فسألته عن السبب الذي جعله يطلب بنقل سريره إلى مكانٍ لايقل كآبةً عن مكانه السابق، فباح لها بمكنونات نفسه، ولم يزدها ذلك إلا حيرةً واستغراباً فقالت له:

لكن ذلك المريض المتوفى الذي تحدثني عنه أعمى!

كان ذلك الرفيق يحاول جاهداً إسعاد صديقه الوحيد برواية تلك الأحاديث الكاذبة التي يوهم صاحبه بأنه يراها عبر النافذة، حتى لايمل فيتسلل اليأس من الحياة إلى قلبه، فيكون بذلك مات ميتتين وليست واحدة ..




- هذه القصة  سمعتها في برنامجِ تلفزيونيْ يُعنى بمواهبِ الأطفال، وقصّ أحدهُم قصةً أعجبتني فعدتُ كتابتها بأسلوبي. وهيَ أول مكتوبٌ لي أنشره في هذا الفضاء الرقمي حيثُ كنتُ حينها في السنة الثانية من مرحلة الثانوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق